للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن اللّه يتوب عليه فيما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بدّ من ردّها إليهم أو بدلها عند الجمهور.

وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها، وقد روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني من حديث [محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان] (١)، عن أبي هريرة أن رسول اللّه أتي بسارق قد سرق شملة، فقال: ما إخاله سرق، فقال السارق: بلى يا رسول الله. قال: "اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به" فقطع فأتي به فقال: "تب إلى اللّه" فقال: تبت إلى اللّه، فقال: "تاب الله عليك" (٢). وقد روي من وجه آخر مرسلًا، ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمة رحمهما اللّه (٣).

وروى ابن ماجه من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري، عن أبيه أن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، جاء إلى النبي فقال: يا رسول اللّه، إني سرقت جملًا لبني فلان، فطهرني فأرسل إليهم النبي فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر به فقطعت يده وهو يقول: الحمد للّه الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار (٤).

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة عن يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرو قال: سرقت امرأة حليًا فجاء الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول اللّه، سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول اللّه :"اقطعوا يدها اليمنى" فقالت المرأة: هل من توبة؟ فقال رسول اللّه : "أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك"، قال: فأنزل اللّه ﷿: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)(٥).

وقد رواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني يحيى بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول اللّه ، فجاء بها إلى الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله، إن هذه المرأة سرقتنا. قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول الله : "اقطعوا يدها"، فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينار، فقال: "اقطعوا يدها" فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول اللّه؟ قال: "نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك"، فأنزل اللّه في سورة المائدة ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)(٦).

وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت، وحديثها ثابت في الصحيحين من رواية الزهري عن [عروة] (٧)، عن عائشة أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت، في عهد النبي في غزوة


(١) ما بين معقوفين زيادة من سنن الدارقطني (٣/ ١٠٢)، وفي نسخة (حم) و (مح) بياض، وسقط من الأصل.
(٢) أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان (السنن ٣/ ١٠٢)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (ح ٢٤٣١).
(٣) أي بدون ذكر أبي هريرة ونقله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/ ٧٤ وسنده ضعيف للإرسال.
(٤) أخرجه ابن ماجه بسنده ومتنه (السنن، الحدود، باب السارق يعترف ح ٢٥٨٨)، وضعفه البوصيري بسبب ابن لهيعة (مصباح الزجاجة ٢/ ٣١٧)، وكذا الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه (ح ٥٦٢).
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وحكمه كسابقه.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٧٧)، وحكمه كسابقه.
(٧) كذا في (مح) والتخريج، وفي الأصل بياض.