للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مر به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتمه (١).

وقال علي بن أبي طلحة الوالبي، عن ابن عباس: من أسلم فقد تولى اللّه ورسوله والذين آمنوا، رواه ابن جرير (٢).

وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت حين تبرأ من حلف اليهود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)﴾ كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)[المجادلة: ٢١، ٢٢] فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين، فهو مفلح في الدنيا والآخرة، ومنصور في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)﴾.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨)﴾.

هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين، الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون: وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة، المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي، يتخذونها هزوًا يستهزئون بها، ولعبًا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، كما قال القائل (٣):

وكم من عائب قولًا صحيحًا … وآفته من الفهم السقيم

وقوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ﴾ من ههنا لبيان الجنس كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] [وقرأ] (٤) بعضهم: والكفار بالخفض عطفًا، وقرأ آخرون بالنصب على أنه معمول (٥)، ﴿لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ تقديره ولا ﴿وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ﴾ أي: لا تتخذوا هؤلاء ولا هؤلاء أولياء، والمراد بالكفار ههنا المشركون، وكذلك وقع في قراءة ابن مسعود فيما رواه ابن جرير: (لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا).

وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: اتقوا اللّه أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء إن كنتم مؤمنين بشرع اللّه الذي اتخذه هؤلاء هزوًا ولعبًا، كما قال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ


(١) أخرجه الطبري من طريق أسباط به، وسنده ضعيف لأن السدي لم يلق عليًا.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٣) هو الشاعر أبو الطيب المتنبي كما في ديوانه ٤/ ١٢٠.
(٤) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "قري".
(٥) وكلتاهما قراءتان متواترتان.