للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: يؤكل من صيد البحر السمك، ولا يؤكل الضفدع. واختلفوا فيما سواهما، فقيل: يؤكل سائر ذلك. وقيل: لا يؤكل. وقيل: ما أكل شبهه من البر، أكل مثله في البحر. وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل، وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يؤكل ما مات في البحر، كما لا يؤكل ما مات في البر، لعموم قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] وقد ورد حديث بنحو ذلك:

فقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي - هو ابن قانع -، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبد الله بن موسى بن أبي عثمان، قالا: حدثنا الحسين بن يزيد الطحان، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله : "ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه، وما ألقى البحر ميتًا طافيًا فلا تأكلوه" (١)، ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية ويحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر به، وهو منكر.

وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدم ذكره، وبحديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (٢)، وقد تقدم أيضًا.

وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال" ورواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وله شواهد، وروي موقوفًا (٣)، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ أي: في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد، ففيه دلالة على تحريم ذلك فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمدًا، أثم وغرم، أو مخطئًا، غرم وحرم عليه أكله، لأنه في حقه كالميتة، وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين، عند مالك والشافعي في أحد قوليه، وبه يقول عطاء والقاسم وسالم وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم، فإن أكله أو شيئًا منه فهل يلزمه جزاء ثانٍ؟ فيه قولان للعلماء.

(أحدهما): نعم، قال عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عطاء قال: إن ذبحه ثم أكله فكفارتان (٤)، وإليه ذهب طائفة.

(والثاني): لا جزاء عليه في أكله، نص عليه مالك بن أنس.

قال أبو عمر بن عبد البر: وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، ثم وجهه أبو عمر بما لو وطئ، ثم وطئ، ثم وطئ قبل أن يُحَدّ، فإنما عليه حد واحد (٥).


= عبد الله بن عمرو (المعجم الصغير ١/ ١٨٩) وفي سنده: المسيب بن واضح صدوق يخطئ كثيرًا (ميزان الاعتدال ٤/ ٢٤١)، وذكر ابن عدي هذا الحديث من الأحاديث التي أنكرت على المسيب (الكامل ٦/ ٢٣٨٤).
(١) ضعفه الحافظ ابن كثير بقوله: "وهو منكر".
(٢) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية.
(٣) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية (٣) من هذه السورة.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه (المصنف رقم ٨٣٦٢) وسنده صحيح.
(٥) الاستذكار ١١/ ٣١٢.