للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية والجمهور: إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء (١) أو بِودّان (٢)، فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نردّه عليك إلا أنا حرم" (٣) وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، وله ألفاظ كثيرة، قالوا: فوجهه أن النبي ظن أن هذا إنما صاده من أجله، فرده لذلك، فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وحش، وكان حلالًا لم يحرم، وكان أصحابه محرمين، فتوقفوا في أكله ثم سألوا رسول الله فقال: "هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها؟ " قالوا: لا. قال: "فكلوا" وأكل منها رسول الله (٤). وهذه القصة ثابتة أيضًا في الصحيحين بألفاظ كثيرة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد، قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ، وقال قتيبة في حديثه: سمعت رسول الله يقول: "صيد البر لكم حلال" قال سعيد: " - وأنتم حرم - ما لم تصيدوه أو يصد لكم"، وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي، جميعًا عن قتيبة. وقال الترمذي: لا نعرف للمطلب سماعًا من جابر (٥)، ورواه الإمام محمد بن إدريس الشافعي من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن مولاه المطلب، عن جابر، ثم قال: وهذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. وقال مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج (٦) وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان (٧)، ثم أتى بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي (٨) (٩).


(١) الأبواء: جبل في منطقة الفرع (ينظر فتح الباري ٤/ ٣٣) والفرع تقع جنوب المدينة.
(٢) ودّان: موضع بقرب الجحفة، وهي أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلًا (ينظر المصدر السابق) والميل يعادل ١٨٤٨ م.
(٣) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (الصحيح، جزاء الصيد، باب إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا. . . ح ١٨٢٥)، وأخرجه مسلم أيضًا (الصحيح، الحج، باب تحريم الصيد للمحرم ح ١١٩٣).
(٤) صحيح البخاري، جزاء الصيد، باب إذا صاد الحلال فأهدي للمحرم. . . (ح ١٨٢١) وصحيح مسلم، الحج، باب تحريم الصيد للمحرم ١١٩٦.
(٥) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(٦) العَرج: منزل بطريق مكة (حاشية الموطأ).
(٧) أي صوف أحمر (حاشية الموطأ).
(٨) أخرجه مالك بسنده ومتنه (الموطأ، الحج، باب ما لا يحل للمحرم من الصيد (ح ٨٤). وسنده صحيح.
(٩) لم يشرح الحافظ ابن كثير الآيات الثلاث رقم ٩٧ - ٩٩ في النسخ الثلاث وكذا النسخة الأزهرية ودار الكتب حسب ما نبه محققو طبعة الشعب. وقد قاموا بالاستدراك نقلًا من تفسير الطبري، وهو نقل مفيد لكن لو وضعوه في الحاشية لكان أفضل. لأن بعض الطبعات ظن أصحابها أنه سقط، وقد ورد فيها هذه الزيادة منقولة من طبعة الشعب.