للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

موصولًا بذل الآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)[الأنعام] وقال تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)[الحج] وقال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨)[القصص].

وقوله: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ أي: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتًا أي ليلًا، أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار، وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو، كما قال: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)[الأعراف] وقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)[النحل].

وقوله: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥)﴾ أي: فما كان قولهم عند مجيء العذاب، إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا، كما قال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)[الأنبياء].

قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله من قوله: "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم"، حدثنا بذلك ابن حميد، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرّاد، قال: قال عبد الله بن مسعود، قال رسول الله : "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم"، قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥)(١).

وقوله: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)﴾. كقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥)[القصص] وقوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١٠٩)[المائدة] فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضًا عن إبلاغ رسالاته، ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)﴾ قال: عما بُلّغوا (٢).

وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا المحاربي، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده" قال الليث: وحدثني ابن طاوس مثله، ثم قرأ: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن عبد الملك بن ميسرة لم يسمع من ابن مسعود.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.