للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ﴾ أي: لئلا تكونا ملكين أو خالدين هاهنا، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما، كقوله: ﴿قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] أي: لئلا تكونا ملَكين، كقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] أي: لئلا تضلوا ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] أي: لئلا تميد بكم.

وكان ابن عباس ويحيى بن أبي كثير يقرآن: (إلا أن تكونا ملِكين) بكسر اللام (١)، وقرأه الجمهور بفتحها،

﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ أي: حلف لهم بالله ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ فإني من قبلكما هاهنا وأعلم بهذا المكان، وهذا من باب المفاعلة، والمراد أحد الطرفين، كما قال خالد بن زهير ابن عم أبي ذؤبب:

[وقاسمها] (٢) بالله جَهدًا لأنتُم … ألذّ من السلوى إذ ما نَشُورها (٣)

أي: حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله.

وقال قتادة في الآية: حلف بالله إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكم فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله انخدعنا له (٤).

﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)﴾.

قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب ، قال: كان آدم رجلًا طوالًا كأنه نخلة سحوق، كثير شعر الرأس، فلما وقع فيما وقع به من الخطيئة، بدت لي عورته عند ذلك وكان لا يراها، فانطلق هاربًا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني. فقالت: إني غير مرسلتك، فناداه ربه ﷿: يا آدم أمنّي تفر؟ قال يا رب إني استحييتك (٥). وقد رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، عن النبي مرفوعًا (٦)، والموقوف أصح إسنادًا.

وقال عبد الرزاق: عن سفيان بن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾، ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم موليًا


(١) ملِكين بكسر اللام قراءة شاذة تفسيرية.
(٢) كذا في (حم) و (عش) وفي الأصل: و (مح): وقاسمهما.
(٣) استشهد به الطبري وعزاه محققوه إلى شرح أشعار الهذليين ١/ ٢١٥.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي عروبة به، وسنده ضعيف لأن الحسن لم يسمع من أُبي.
(٦) أخرجه الطبري من طريق أبي بكر الهذلي عن الحسن به، وسنده كسابقه، وفيه أيضًا أبو بكر الهذلي وهو متروك كما في التقريب.