للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما" (١).

﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)﴾.

قال الإمام أبو جعفر الطبري: اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾، فقال بعضهم: شُبِّه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم، وإصلاحهم ذات بينهم وطاعتهم لله ورسوله، ثم روى عن عكرمة نحو هذا (٢)، ومعنى هذا: أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححّتم فيها فانتزعها الله منكم وجعلها إلى قسمه، وقسم رسوله فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة التامَّة لكم، وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة، وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد رشدًا وهدى، ونصرًا وفتحًا، كما قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)[البقرة].

قال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾، على كره من فريق من المؤمنين كذلك هم كارهون للقتال فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم (٣). ثم روى عن مجاهد نحوه أنه قال: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ قال: كذلك يجادلونك في الحق (٤).

وقال السدي: أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه، فقال: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥)﴾ لطلب المشركين ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾ (٥).

وقال بعضهم: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] مجادلة كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالًا فنستعد له. قلت: رسول الله إنما خرج من المدينة طالبًا لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول الله المسلمين من خفَّ منهم فخرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وطلب نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرو نذيرًا إلى


(١) أخرجه الإمام أحمد من طريق عطية به (المسند ١٧/ ٣٠٢ ح ١١٢٠٦) وضعفه محققوه، وكذا أخرجه أبو داود، السنن، الحروف والقراءات (ح ٣٩٨٧)، والترمذي في سننه، المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق (ح ٣٦٥٨)، وابن ماجه في سننه، المقدمة، باب فضائل أصحاب رسول الله (ح ٩٦)، وهذا الحديث يتقوى شقه الأول بما تقدم في الصحيحين، وأما الشق الثاني فيشهد له حديث: أصحابي كالنجوم … أورده الألباني في السلسلة الصحيحة، فيكون الحديث حسنًا لغيره.
(٢) ذكره الطبري بلفظه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق داود عن عكرمة.
(٣) ذكره الطبري بلفظه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.