للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السورة الكريمة نزل على رسول الله لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك وأنهم يطوفون بالبيت عُراة، فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق أميرًا على الحج تلك السنة؛ ليقيم للناس مناسكهم ويُعلم المشركين أن لا يحجّوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فلما قفل أتبعه بعليِّ بن أبي طالب ليكون مبلغًا عن رسول الله لكونه عصبة له كما سيأتي بيانه (١).

فقوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي: هذه براءة أي تبرؤ من الله ورسوله ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ اختلف المفسرون ههنا اختلافًا كثيرًا.

فقال قائلون: هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان، لقوله تعالى: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤]، ولما سيأتي في الحديث (٢). ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته وهذا أحسن الأقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جرير ، وروي عن الكلبي ومحمد بن كعب القرظي وغير واحد (٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ الآية، قال: حدّ الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاؤوا وأجَّل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة، فأمر الله نبيه إذا انسلخ الأشهر الحُرم أن يضع السيف فيمن لا عهد له (٤)، وكذا رواه العوفي وقال بعد قوله: (فذلك خمسون ليلة): فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد بقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضًا حتى يدخلوا في الإسلام (٥).

وقال أبو معشر المدني: حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: بعث رسول الله أبا بكر أميرًا على الموسم سنة تسع، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس، يؤجِّل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلَّهم عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرًا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم وقال: لا يحجنَّ بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان (٦).

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى أهل العهد: خزاعة ومدلج


(١) سيأتي بيانه في تفسير آية ٣ من هذه السورة الكريمة.
(٢) في الآية التالية.
(٣) قول الكلبي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه وقول محمد بن كعب أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي معشر، وهو نجيح السندي، عنه ويتقوى بسابقه ولاحقه.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به ويتقوى بعضه بسابقه.
(٦) أخرجه الطبري من طريق أبي معشر به وسنده ضعيف ويتقوى برواية ابن أبي طلحة السابقة وبالمراسيل اللاحقة.