للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبد الحميد بن جعفر، عن الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللّات والعزى" فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ الآية، أن ذلك تام (١)، قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ﷿، ثم يبعث الله ريحًا طيبة، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم" (٢).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)﴾.

قال السدي: الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى (٣). وهو كما قال فإن الأحبار هم علماء اليهود كما قال تعالى: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [المائدة: ٦٣]. والرهبان عباد النصارى والقسيسون علماؤهم كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: ٨٢].

والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان في شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى (٤).

وفي الحديث الصحيح: "لتركبنَّ سَنن من كان قبلكم حذو القذَّة بالقذَّة (٥) " قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ " وفي رواية: فارس والروم، قال: "فمَن الناس إلا هؤلاء؟ " (٦).

والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم ولهذا قال تعالى: ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ولهم عندهم خَرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعًا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات، فأطفأها الله بنور النبوة وسلبهم إياها وعوضهم الذلَّ والصَغَار وباءوا بغضب من الله تعالى.


(١) كذا في النسخ الخطية والنسخ المطبوعة، وفي صحيح مسلم: تامًا.
(٢) أخرجه مسلم بسنده ومتنه مع الفرق السابق (الصحيح، الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة ح ٢٩٠٧).
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) لم أجده.
(٥) القُذَة: ريش السهم واحدتها قُذَّة، ومعنى حذو القذَّة بالقذَّة أي كما تقدَّر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتُقطع، يضرب مثلًا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان (النهاية ٤/ ٢٨).
(٦) أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري بمعناه (صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ح ٣٤٥٦ وصحيح مسلم، العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى ح ٢٦٦٩).