للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله ، فاجتعموا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أُحد، فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله ﷿، وكانت العاقبة للمتقين.

وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين، فوقع في إحداهنَّ رسول الله وأصيب ذلك اليوم، فجُرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشُجَّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه، وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق يا عدو الله، ونالوا منه وسبُّوه فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شرُّ، وكان رسول الله قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرَّد، فدعا عليه رسول الله أن يموت بعيدًا طريدًا فنالته هذه الدعوة، وذلك أنه لما فرغ الناس من أُحد، ورأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هِرقل ملك الروم يستنصره على النبي ، فوعده ومنَّاه وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنّيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ويغلبه ويردُّه عمَّا هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلًا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله إلى تبوك، وجاؤوا فسألوا رسول الله أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلَّة في الليلة الشاتية، فعصمه الله من الصلاة فيه؛ فقال: "إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله" فلما قفل راجعًا إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضِّرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أُسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة.

كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ الآية، هم أناس من الأنصار بنوا مسجدًا فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدًا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجنود من الروم وأخرج محمدًا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي فقالوا له: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله ﷿: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ … وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (١) وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعروة بن الزبير (٢) وقتادة وغير واحد من العلماء.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قالوا: أقبل رسول الله -يعني من تبوك- حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضِّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٢) من هنا يبدأ سقط من الأصل إلى آخر آية رقم ٨٢ من سورة يونس، واستكمل من (حم) و (مح).