للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معاوية صلى بالمدينة فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلما صلى المرة الثانية بسمل (١).

وفي هذه الأحاديث والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداه.

فأما المعارضات والروايات الغريبة وتطريقها وتعليلها وتضعيفها وتقريرها فله موضع آخر.

وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مغفل، وطوائف من سلف التابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري، وأحمد بن حنبل.

وعند الإمام مالك أنه لا يقرأ البسملة بالكلية لا جهرًا ولا سرًّا، واحتجوا بما في "صحيح مسلم" (٢)، عن عائشة ، قالت: كان رسول الله يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين.

وبما في "الصحيحين" (٣)، عن أنس بن مالك؛ قال: صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا (يستفتحون) (٤) بالحمد لله رب العالمين.

"ولمسلم" (٥): لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها.


(١) أخرجه الشافعي في "كتاب الأم" (١/ ٣، ٩٣) ومن طريقه الحاكم (١/ ٢٣٣)؛ والدارقطني (١/ ٣١١)؛ والبيهقي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاةً فجهر فيها بالقراءة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حين يهوى حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين: يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوى ساجدًا".
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز وسائر الرواة متفق على عدالتهم".
قلت: وكان ابن أبي رواد أعلم الناس بحديث ابن جريج كما قال ابن معين وتابعه عبد الرزاق عند الدارقطني، وهذا سند جيد رجاله رجال مسلم، لكن في كونه على شرط مسلم نظر، فإن هذه الترجمة: "ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي بكر بن حفص عن أنس" ما احتج بها مسلم، إنما احتج بابن أبي رواد عن ابن جريج فقط. والله أعلم. وقال الدارقطني: "كلهم ثقات" وقد اختلف في سنده.
(تنبيه) ظهر لك بعد ذكر سياق هذا الأثر أن المصنف اختصره اختصارًا مخلا، فإن ما ذكره المصنف يدل على أن معاوية ترك البسملة بالكلية، وليس كذلك بل تركها عند قراءته للسورة التي بعد أم الكتاب. والله أعلم، نعم ما ذكره المصنف ظاهر في رواية إسماعيل بن عياش عند الدارقطني لكنها معلة.
(٢) أخرجه مسلم (٤٩٨/ ٢٤٠) من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة بسياق أطول.
(٣) أخرجه البخاري (٢/ ٢٢٦، ٢٢٧)، وفي (جزء القراءة) (١١٧)؛ ومسلم (٣٩٩/ ٥٠، ٥١) من طريق شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس فذكره ولم يقع عند البخاري ذكر "عثمان" ، نعم أخرجه البخاري في "جزء القراءة"، (١١٨) فذكر "عثمان".
(٤) في (ن): "يفتتحون".
(٥) في "صحيحه" (٣٩٩/ ٥٢) من طريق الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس.