للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أشفق من الوالد لولده ويقول: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦] (١).

وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له الذي بيده الملك وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه.

﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)﴾.

يقول لهم رسولهم هود: فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ يعبدونه وحده لا يشركون به ولا يبالي بكم، فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ أي: شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر

﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ وهو الريح العقيم فأهلكهم الله عن آخرهم ونجى هودًا وأتباعه من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه

﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ كفروا بها وعصوا رسل الله وذلك أن من كفر بنبيٍّ كفر بجميع الأنبياء لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به، فعاد كفروا بهود فنزل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل

﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ تركوا اتباع رسولهم الرشيد؟ واتبعوا أمر كلِّ جبَّار عنيد، فلهذا أُتبعوا في الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا، وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد: ﴿أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ الآية.

قال السدي: ما بُعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه (٢).

﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)﴾.

يقول تعالى: ولقد أرسلنا ﴿إِلَى ثَمُودَ﴾ وهم الذي كانوا يسكنون مدائن الحجر (٣) بين تبوك والمدينة، وكانوا بعد عاد فبعث الله منهم ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له الخالق الرازق ولهذا قال: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي: ابتدأ خلقكم منها خلق منها أباكم آدم ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ أي: جعلكم عُمَّارًا تعمرونها وتستغلونها ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ لسالف ذنوبكم ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ فيما تستقبلونه ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ الآية [البقرة: ١٨٦].


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق صفوان بن صالح المؤذن عن الوليد به.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عن السدي.
(٣) تبعد عن المدينة المنورة ٤٥٠ كيلًا شمالًا.