للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك (١)، وكذا فسرها مجاهد بن جبر وغير واحد من السلف حتى إن مجاهدًا قرأها ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ بفتح الذال. رواه ابن جرير (٢) إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ إلى أتباع الرسل من المؤمنين، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم؛ أي: وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا مخففة فيما وعدوا به من النصر.

وأما ابن مسعود، فقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا محمد بن فضيل، عن [جحش] (٣) بن زياد الضبي، عن تميم بن حَذْلم قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾: من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كُذِبوا بالتخفيف (٤) - فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها بذلك، وانتصر لها ابن جرير، ووجه المشهور عن الجمهور وزيَّف القول الآخر بالكلية، ورده وأباه ولم يقبله ولا ارتضاه، والله أعلم.

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)﴾.

يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين ﴿عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ وهي العقول، ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾ أي: وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله؛ أي: يكذب ويختلق ﴿وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي: من الكتب المنزلة من السماء وهو يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير.

﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من تحليل وتحريم ومحبوب ومكروه، وغير ذلك من الأمر بالطاعات والواجبات والمستحبات، والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الأمور الجلية، وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية، والإخبار عن الربِّ وبالأسماء والصفات، وتنزهه عن مماثلة المخلوقات، فلهذا كان ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد، ومن الضلال إلى السداد، ويبتغون به الرحمة من رب العباد، في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم في الدنيا والآخرة، يوم يفوز بالربح المبيضة وجوههم الناضرة، ويرجع المسودّة وجوههم بالصفقة الخاسرة.

آخر تفسير سورة يوسف ، ولله الحمد والمنة وبه المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أبي المعلى العطارى سعيد بن جبير.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) كذا في تفسير الطبري، وصحف في الأصل و (حم) إلى: "محسن".
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف.