للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه مرملة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، فهذه بصفتها، وهذه بصفتها الأخرى، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقوله: ﴿وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ﴾ يحتمل أن تكون عاطفة على جنات، فيكون ﴿وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ﴾ مرفوعين. ويحتمل أن يكون معطوفًا على ﴿أَعْنَابٍ﴾، فيكون مجرورًا، ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة (١).

وقوله: ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ الصنوان: هو الأصول المجتمعة في منبت واحد، كالرمان والتين، وبعض النخيل ونحو ذلك، وغير الصنوان: ما كان على أصل واحد، كسائر الأشجار، ومنه سمي عمُّ الرجل صنو أبيه، كما جاء في الصحيح أن رسول الله قال لعمر: "أما شعرت أن عمَّ الرجل صنو أبيه" (٢).

وقال سفيان الثوري وشعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء : الصنوان: هي النخلات في أصل واحد، وغير الصنوان المتفرقات (٣). وقاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد (٤).

وقوله: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ قال: "الدقل، والفارسي، والحلو، والحامض"، رواه الترمذي وقال: حسن غريب (٥).

أي: هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها، وطعومها وروائحها، وأوراقها وأزهارها، فهذا في غاية الحلاوة، وهذا في غاية الحموضة، وذا في غاية المرارة، وذا عفص، وهذا عذب، وهذا جمع هذا وهذا، ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن الله تعالى، وهذا أصفر، وهذا أحمر، وهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أزرق، وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء، مع الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ففي ذلك آيات لمن كان واعيًا، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء، وخلقها على ما يريد، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.


(١) القراءة بالرفع والجر قراءتان متواترتان.
(٢) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح، الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها ح ٩٨٣).
(٣) أخرجه الطبري وسعيد بن منصور (السنن، التفسير ح ١١٥٣) من طريق الثوري به، وسنده صحيح.
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول ابن مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سلمة بن نبيط عنه، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٥) أخرجه الترمذي من طريق سيف بن محمد الثوري عن الأعمش به (السنن، تفسير القرآن، باب ومن سورة الرعد ح ٣١١٨)، وسنده ضعيف جدًا لأن سيف بن محمد الثوري كذبوه، كما في التقريب ص ٢٦٢، ومدار الحديث متوقف عليه.