للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾ أي: ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، أي: تطلى قاله قتادة (١)، وهو ألصق شيء بالنار.

ويقال فيه: قَطِران، بفتح القاف وكسر الطاء (٢) وتسكينها، وبكسر القاف وتسكين الطاء، ومنه قول أبي النجم:

كأن قطرانًا إذا تلاها … ترمي به الريح إلى مجراها (٣)

وكان ابن عباس يقول: القطران هنا النحاس المذاب، وربما قرأها (سرابيلهم من قطرٍ آن) أي: من نحاس حار قد انتهى حره (٤)، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة (٥).

وقوله: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ كقوله: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤)[المؤمنون].

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق، أنبأنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله : "أربع من أمر الجاهلية لا يتركن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" (٦). انفرد بإخراجه مسلم (٧).

وفي حديث القاسم عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله : "النائحة إذا لم تتب توقف في طريق بين الجنة والنار سرابيلها من قطران وتغشى وجهها النار" (٨).

وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ أي: يوم القيامة كما قال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١].

﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يحتمل أن يكون كقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١)[الأنبياء]، ويحتمل أنه في حال محاسبته لعبده سريع النجاز لأنه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية، وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله تعالى: ﴿مَا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.
(٢) هذه هي القراءة المتواترة وما سواها المذكور بعدها شاذ.
(٣) ديوان أبي النجم ص ٨٣، واستشهد به الطبري بعد أن ذكر القراءات السابقة.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق عكرمة عن ابن عباس. والقراءة شاذة تفسيرية.
(٥) قول عكرمة أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بأسانيد يقول بعضها بعضًا، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق قتادة عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٣٤٢) وسنده صحيح.
(٧) أخرجه مسلم من طريق أبان به (الصحيح، الجنائز، باب التشديد في النياحة ح ٩٣٤).
(٨) أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن زُحر عن علي بن يزيد عن القاسم به (المعجم الكبير ٨/ ٢٣٨ ح ٧٨١٨)، وقال الهيثمي: وفيه عبيد الله بن زُحر وهو ضعيف (مجمع الزوائد ٣/ ١٧).