للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: جعله عذبًا زلالًا يسوغ لكم شرابه، ولم يجعله ملحًا أجاجًا ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ أي: وأخرج لكم منه شجرًا ترعون فيه أنعامكم. كما قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة وابن زيد في قوله: ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ أي: ترعون (١).

ومنه الإبل السائمة، والسوم: الرعي.

وروى ابن ماجه أن رسول الله نهى عن السوم قبل طلوع الشمس (٢).

وقوله: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ أي: يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها، ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)[النمل] ثم قال تعالى:

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)﴾.

ينبه تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان، والشمس والقمر يدوران، والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السماوات نورًا وضياء ليُهتدى بها في الظلمات، وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه، يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله، كما قال: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)[الأعراف] ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي: لدلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه.

وقوله: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ لما نبه تعالى على معالم السماوات نبه على ما خلق في الأرض من الأمور العجيبة، والأشياء المختلفة من الحيوانات والمعادن، والنباتات والجمادات على اختلاف ألوانها وأشكالها، وما فيها من المنافع والخواص ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي: آلاء الله ونعمه فيشكرونها.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند ضعيف يتقوى بسابقه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٢) أخرجه ابن ماجه من طريق الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الملك عن أبيه عن علي (السنن، التجارات، باب السوم ح ٢٢٠٦)، قال البوصيري في الزوائد: في إسناده نوفل بن عبد الملك، والربيع بن حبيب، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، وأخرجه الحاكم من طريق الربيع به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٢٣٤)، والراجح ضعفه لأن نوفل بن عبد الملك مستور (التقريب ص ٥٦٧)، والربيع ضُعِّف في روايته عن نوفل (التقريب ص ٢٠٦).