للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن عباس في قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ قال: نزلت في رجل من قريش وعبده (١)، يعني قوله: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾ الآية [النحل: ٧٥] وفي قوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال: هو عثمان بن عفان: قال: والأبكم الذي أينما يوجهه لا يأتي بخير، قال: هو مولى لعثمان بن عفان، كان عثمان ينفق عليه ويكلفه ويكفيه المؤونه، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما (٢).

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩)﴾.

يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السماوات والأرض واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، كما قال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] أي: فيكون ما يريد كطرف العين، وهكذا قال ههنا: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كما قال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨].

ثم ذكر تعالى منَّته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي به يدركون الأصوات والأبصار التي بها يحسون المرئيات والأفئدة، وهي العقول التي مركزها القلب على الصحيح، وقيل: الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلًا قليلًا كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده.

وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه.

كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: "يقول تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما تردَّدت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بدّ له منه" (٣).


(١) رجل من قريش هو: هشام بن عمرو الذي أنفق ماله سرًا وجهرًا، وعبده هو أبو الجوزاء الذي كان ينهاه (ينظر: أسباب النزول للواحدي ص ٢٨٥).
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه الواحدي من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم به (المصدر السابق).
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (الصحيح، الرقاق، باب التواضع ح ٦٥٠٢).