للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ أي: حصونًا ومعاقل، كما ﴿جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وهي الثياب من القطن والكتان والصوف ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك، ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي: هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون إليه ليكون عونًا لكم على طاعته وعبادته ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ هكذا فسره الجمهور، وقرءوه بكسر اللام من ﴿تُسْلِمُونَ﴾ (١) أي: من الإسلام.

وقال قتادة في قوله: ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾: هذه السورة تسمى سورة النعم (٢).

وقال عبد الله بن المبارك وعبّاد بن العوام، عن حنظلة السدوسي، عن شهر بن حوشب (٣)، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها (تَسْلَمُونَ) بفتح اللام، يعني من الجراح (٤) رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عبّاد، أخرجه ابن جرير من الوجهين، وردَّ هذه القراءة.

وقال عطاء الخراساني: إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ وما جعل من السهل أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال؟ ألا ترى إلى قوله: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر؟ ألا ترى إلى قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣] لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفونه؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وما تقي من البرد أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب حر (٥).

وقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي: بعد هذا البيان وهذا الامتنان، فلا عليك منهم ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ وقد أديته إليهم ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا﴾ أي: يعرفون أن الله تعالى هو المُسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مجاهد أن أعرابيًا أتى النبي فسأله، فقرأ عليه رسول الله ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ فقال الأعرابي: نعم، قال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا﴾ الآية، قال الأعرابي: نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك، يقول الأعرابي: نعم، حتى بلغ ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ فولَّى الأعرابي، فأنزل الله ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣)(٦).


(١) وهي قراءة متواترة.
(٢) ذكره السيوطي ونسبه إلى ابن أبي حاتم (الإتقان ١/ ٧٢).
(٣) أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن المبارك به وفي سنده شهر بن حوشب فيه مقال، والقراءة شاذة تفسيرية.
(٤) وكلا الوجهين من طريق شهر بن حوشب.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه، وعثمان ضعيف.
(٦) نسبه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم، وسنده ضعيف لإرساله.