للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد، ثم قال: أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله يقول: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الإشراك بالله - أن يبايع رجل رجلًا على بيعة الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، فلا يخلعنَّ أحد منكم يدًا ولا يُشرفنَّ أحد منكم في هذا الأمر، فيكون صيلم (١) بيني وبينه" (٢). المرفوع منه في الصحيحين (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حجاج، عن عبد الرحمن بن عباس، عن أبيه، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله يقول: "من شرط لأخيه شرطًا لا يريد أن يفي له به، فهو كالمدلي جاره (٤) إلى غير منفعة" (٥).

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها.

وقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾.

قال عبد الله بن كثير والسدي: هذه امرأة (٦) خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه (٧).

وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده (٨)، وهذا القول أرجح وأظهر سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا.

وقوله: ﴿أَنْكَاثًا﴾ يحتمل أن يكون اسم مصدر، ﴿نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ أي: أنقاضًا، ويحتمل أن يكون بدلًا عن خبر كان أي: لا تكونوا أنكاثًا جمع نكث من ناكث، ولهذا قال بعده: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ أي: خديعة ومكرًا ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ أي: تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم، فنهى الله عن ذلك لينبه بالأدنى على الأعلى، إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه، فلأن ينهى عنه مع التمكن والقدرة بطريق الأولى.


(١) أي: قطيعة.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه (المسند ٩/ ١٠٤، ١٠٥، ح ٥٠٨٨).
(٣) صحيح البخاري، الجزية، باب إثم الغادر للبر والفاجر (ح ٣١٨٨) وصحيح مسلم، الجهاد، باب تحريم الغدر (ح ١٧٣٥).
(٤) أي: كالذي يخذل جاره ويتركه بلا ناصر ولا معين.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه بسبب تدليس حجاج وهو ابن أرطأة وقد عنعنه، وقال الهيثمي: وفيه الحجاج بن أرطأة وهو ثقة مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٤/ ٢٠٥).
(٦) المرأة هي ريطاء بنت عمرو بن كعب بن سعد كما في تفسير مقاتل (ينظر: فتح الباري ٨/ ٣٨٧).
(٧) قول عبد الله بن كثير أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف، وقول السدي أخرجه البخاري معلقًا عن سفيان بن عيينة عن صدقة، ووصله ابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة عن صدقة عن السدي (تغليق التعليق ٤/ ٢٣٧)، وصدقه هو ابن أبي عمران الكوفي صدوق (التقريب ص ٢٧٤)، وسنده حسن.
(٨) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي وهب عنه.