للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنه كان أولًا مطلوبًا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع به هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل له في ذلك.

ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله أعلم، وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس وجاء أنه في السماء. ويحتمل أن يكون ههنا وههنا، لأنه كالضيافة للقادم، والله أعلم.

ثم اختلف الناس: هل كان الإسراء ببدنه وروحه، أو بروحه فقط؟ على قولين:

فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا منامًا، ولا ينكرون أن يكون رسول الله رأى قبل ذلك منامًا ثم رآه بعد يقظة، لأنه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظمًا، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضًا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقال تعالى: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠].

قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، رواه البخاري (١)، وقال تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)[النجم] (٢) والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضًا فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه، والله أعلم.

وقال آخرون: بل أُسري برسول الله بروحه لا بجسده.

قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله قال: كانت رؤيا من الله صادقة (٣).

وحدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله ولكن أسري بروحه (٣).

قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها لقول الحسن: إن هذه الآية نزلت ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] ولقول الله في الخبر عن إبراهيم: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ [الصافات: ١٠٢] قال: ثم مضى على ذلك، فعرفت أن الوحي يأتي


(١) أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس في صحيحه، التفسير، سورة الإسراء، باب ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] (ح ٤٧١٦).
(٢) ذكره ابن هشام (السيرة ١/ ٤٠٠)، وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لأن يعقوب بن عتبة لم يدرك معاوية .
(٣) ذكره ابن هشام (السيرة ١/ ٤٠٠)، وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف للانقطاع بين ابن إسحاق وعائشة ولم يصرح باسم شيخه.