للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقي [ههنا] (١) مسألة قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديمًا وحديثًا، وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار: ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوة؟ وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه، ثم نذكر فصلًا ملخصًا من كلام الأئمة في ذلك، والله المستعان.

(فالحديث الأول): عن الأسود بن سريع. قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع أن رسول الله قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: ربِّ قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: ربّ قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربِّ لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: ربّ ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا" (٢).

وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها يسحب إليها" (٣)، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح (٤)، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أربعة كلهم يدلي على الله بحجة" فذكر نحوه (٥)، ورواه ابن جرير من حديث معمر، عن همام، عن أبي هريرة، فذكره موقوفًا، ثم قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (٦). وكذا رواه معمر، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة موقوفًا.

(الحديث الثاني): عن أنس بن مالك:

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الربيع، عن يزيد بن أبان قال: قلنا لأنس: يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله : "لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها، فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها، فيكونوا من ملوك أهل الجنة، هم من خدم


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "هنا".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٤)، وصححه البيهقي كما نقل الحافظ ابن كثير في آخر التخريج لهذا الحديث، وقال البيهقي أنه المذهب الصحيح (الاعتقاد ص ١٦٩) وذكر الهيثمي أن رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٢١٦)، وقال الحافظ ابن حجر: وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة (فتح الباري ٣/ ٢٤٦) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٤٣٤) وله شاهد في تفسير ابن أبي حاتم بسنده عن أبي هريرة، وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه ثابت السند (درء تعارض العقل ٨/ ٣٩٩، ٤٠٠).
(٣) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ٢٤).
(٤) الاعتقاد ص ١٦٩.
(٥) أخرجه ابن أبي عاصم من طريق حماد بن سلمة به (السنة ح ٤٠٤).
(٦) أخرجه الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر به وسنده صحيح.