للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدثنا عوف، عن حسناء بنت معاوية من بني صريم قالت: حدثني عمي قال: قلت: يا رسول الله مَن في الجنة؟ قال: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة" (١).

فمن العلماء من ذهب إلى الوقوف فيهم لهذا الحديث، ومنهم من جزم لهم بالجنة لحديث سمرة بن جندب في صحيح البخاري أنه قال في جملة ذلك المنام حين مرّ على ذلك الشيخ تحت الشجرة وحوله ولدان، فقال له جبريل: هذا إبراهيم ، وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين، قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: "نعم وأولاد المشركين" (٢).

ومنهم من جزم لهم بالنار لقوله : "هم مع آبائهم" (٣) ومنهم من ذهب إلى أنّهم (يمتحنون يوم القيامة في العرصات)، فمن أطاع دخل الجنة وانكشف على الله فيهم بسابق السعادة، ومن عصى دخل النار داخرًا وانكشف علم الله به بسابق الشقاوة وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض.

وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد.

وقد ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري بعد ما تقدم من أحاديث الامتحان، ثم قال: وأحاديث هذا الباب ليست قوية ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرونها، لأن الآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا ابتلاء، فكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها (٤)؟

والجواب عمّن قال أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نصّ على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط، أفادت الحجة عند الناظر فيها.

وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء، فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من إمتحان الأطفال وقد قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)[القلم].

وقد ثبتت السُنة في الصحاح وغيرها أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقًا واحدًا كلما أراد السجود خرّ لقفاه.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وضعف سنده محققوه لجهالة حسناء (المسند ٣٤/ ١٩٠ ح ٢٠٥٨٣) والحق أن حسناء ليست مجهولة وإنما مقبولة، وفرق بين المقبول والمجهول، وكثير من المقبولين حُسنت أحاديثهم بل صُححت، ولهذا حسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٣/ ٢٤٦).
(٢) تقدم تخريجه والإشارة إلى طوله قبل روايتين.
(٣) تقدم تخريجه وشواهده في حديث البراء .
(٤) (التمهيد ١٨/ ١٣٠) وذكره القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص ٥١٤.