للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال قتادة: أذاب ابن مسعود شيئًا من الذهب في أخدود، فلما انماع وأزبد، قال: هذا أشبه شيء بالمهل (١).

وقال الضحاك: ماء جهنم أسود وهي سوداء وأهلها سود (٢).

وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر، فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها، فهو أسود منتن غليظ حار، ولهذا قال: ﴿يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ أي: من حره، إذا أراد الكافر أن يشربه وقربه من وجهه شواه حتى تسقط جلدة وجهه فيه.

كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدم في سرادق النار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله أنه قال: "ماء كالمهل - قال - كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه" (٣). وهكذا رواه الترمذي في صفة النار من جامعه من حديث رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به، ثم قال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين، وقد تكلم فيه من قبل حفظه هكذا، قال: وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم عن حسن الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج، والله أعلم.

وقال عبد الله بن المبارك وبقية بن الوليد: عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بسر، عن أبي أُمامة، عن النبي في قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٦، ١٧]، قال: "يقرب إليه فيتكرهه، فإذا قرب منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ (٤).

وقال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا، فأغيثوا بشجرة الزقوم فيأكلون منها، فاجتثت جلود وجوههم، فلو أن مارًّا مرَّ بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون، فيغاثون بماء كالمهل وهو الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود (٥)، ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه الصفات الذميمة القبيحة ﴿بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ أي: بئس هذا الشراب، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥] وقال تعالى: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)[الغاشية] أي: حارة، كما قال تعالى: ﴿وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤].

﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ أي: وساءت النار منزلًا ومقيلًا ومجتمعًا وموضعًا للارتفاق، كما قال في الآية الأخرى ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)[الفرقان].

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)﴾.

لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنى بذكر السعداء الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما


(١) أخرجه الطبري من طريق قتادة به، وقتادة لم يسمع من ابن مسعود.
(٢) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد، وهو ابن سليمان، عن الضحاك.
(٣) تقدم تخريجه وضعفه في بداية تفسير هذه الآية.
(٤) تقدم تخريجه في سورة إبراهيم آية ١٧.
(٥) أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي: ضعيف.