للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: الثمار (١)، وهو أظهر ههنا ويؤيده القراءة الأخرى ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ بضم الثاء وتسكين الميم، فيكون جمع ثمرة كخشبة وخشب. وقرأ آخرون ثمر بفتح الثاء والميم (٢)، فقال أي صاحب هاتين الجنتين لصاحبه وهو يحاوره، أي يجادله، ويخاصمه يفتخر عليه ويترأس ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا، قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر، كثرة المال وعزة النفر (٣).

وقوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ أي: بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكار المعاد ﴿قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ وذلك اغترارًا منه لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار، والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف، ذلك لقلة عقله، وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، ولهذا قال: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ أي كائنة ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ أي: ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكوننَّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت: ٥٠] وقال: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)[مريم] أي: في الدار الآخرة تألى على الله ﷿. وكان سبب نزولها في العاص بن وائل، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، وبه الثقة [وعليه التكلان] (٤) (٥).

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (٤١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عما أجابه به صاحبه المؤمن، واعظًا له وزاجرًا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾، وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه، وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] أي: كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية؟ كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدومًا، ثم وجد وليس وجوده من نفسه ولا مستندًا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنه بمثابته، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء، ولهذا قال المؤمن: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ أي: لكن أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية، ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ أي: بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٢) القراءتان متواترتان.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) سيأتي في تفسير سورة مريم آية ٧٧.