للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى ﴿حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومالك عن الزهري؛ أي: عذابًا من السماء (١).

والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها، ولهذا قال: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ أي: بلقًا ترابًا أملس لا يثبت فيه قدم.

وقال ابن عباس: كالجُرز (٢) الذي لا ينبت شيئًا.

وقوله: ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ أي: غائرًا في الأرض، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض، فالغائر يطلب أسفلها، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)[الملك] أي: جار وسائح، وقال ههنا: ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (٤١)﴾ والغور مصدر بمعنى غائر، وهو أبلغ منه، كما قال الشاعر (٣):

تظل جياده نوحًا عليه … مقلدة أعِنَّتها صفونا (٤)

بمعنى نائحات عليه.

﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (٤٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ بأمواله أو بثماره على القول الآخر، والمقصود أنه وقع بهذا الكافر ما كان يحذر مما خوفه به المؤمن من إرسال الحسبان على جنته التي اغترَّ بها وأَلْهَته عن الله ﷿ ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾.

وقال قتادة: يصفق كفيه متأسفًا متلهفًا على الأموال التي أذهبها عليها ﴿وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢)

﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ﴾ (٥) أي: عشيرة أو ولد، كما افتخر بهم واستعز ﴿يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ اختلف القراء ههنا فمنهم من يقف على قوله: ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣) هُنَالِكَ﴾ أي: في ذلك الموطن الذي حلَّ به عذاب الله، فلا منقذ له منه، ويبتدئ بقوله: ﴿الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ ومنهم من يقف على ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ يبتدئ بقوله: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾.

ثم اختلفوا في قراءة الولاية، فمنهم من فتح الواو من الولاية، فيكون المعنى هنالك الموالاة لله؛ أي: هنالك كل أحد مؤمن أو كافر يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب، كقوله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤)[غافر]


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوى بما يليه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول مالك عن الزهري صحيح سنده.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع من ابن عباس.
(٣) هو عمرو بن كلثوم وقد استشهد بهذا البيت معمر بن المثنى في (مجاز القرآن ١/ ٤٠٤) والطبري.
(٤) صفونا: الصافن من الخيل الذي قد قلب أحد حوافره وقام على ثلاث قوائم.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.