للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعلم بما نتناجى به، فقال عبادة بن الصامت: إن طال بكما عمر أحدكما أو كليكما لتوشكان أن تريا الرجل من ثبج المسلمين؛ يعني من وسط قراء القرآن على لسان محمد ، فأعاده وأبدأه وأحلَّ حلاله وحرم حرامه ونزله عند منازله لا يحور (١) فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت. قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله يقول: "من الشهوة الخفية والشرك" فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: اللهم غفرًا ألم يكن رسول الله قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب؛ أما الشهوة الخفية فقد عرفناها هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟ فقال شداد: أرأيتكم لو رأيتم رجلًا يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم والله إن من صلى لرجل أو صام أو تصدق له لقد أشرك، فقال شداد: فإني سمعت رسول الله يقول: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك" فقال عوف بن مالك عند ذلك: أفلا يعمد إليه إلى ما ابتغى به وجهه من ذلك العمل كله فيقبل ما خلص له ويدع ما أشرك به فقال شداد عند ذلك: فإني سمعت رسول الله يقول: "إن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئًا، فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني" (٢).

طريق أخرى لبعضه قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني عبد الواحد بن زياد، أخبرنا عبادة بن نسي، عن شداد بن أوس أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيء سمعته من رسول الله فأبكاني، سمعت رسول الله يقول: "أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية" قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: "نعم أما إنهم لا يعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا حجرًا ولا وثنًا، ولكن يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائمًا فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه" (٣)، ورواه ابن ماجه من حديث الحسن بن ذكوان، عن عبادة بن نسي به (٤)، وعبادة فيه ضعف، وفي سماعه من شداد نظر.

(حديث آخر): قال الحافظ أبو بكر البزاز: حدثنا الحسين بن علي بن جعفر الأحمر، حدثنا علي بن ثابت، حدثنا قيس بن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يقول الله يوم القيامة: أنا خير شريك من أشرك بي أحدًا فهو له كله". وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة: سمعت العلاء يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي يرويه عن الله ﷿ أنه قال: "أنا خير الشركاء فمن عمل عملًا أشرك فيه


(١) أي: لا يرجع.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ١٢٥، ١٢٦) وفي سنده شهر بن حوشب، ولبعضه شاهد صحيح عن أبي هريرة يأتي بعد الرواية التالية.
(٣) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ١٢٤)، وأخرجه الحاكم من طريق عبد الواحد بن زياد به، وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: عبد الواحد: متروك (المستدرك ٤/ ٣٣٠).
(٤) السنن، الزهد، باب الرياء والسمعة (ح ٤٢٠٥) وضعفه الحافظ ابن كثير.