للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية، فقالت: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ أي: قبل هذا الحال، ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ أي: لم أخلق ولم أك شيئًا، قاله ابن عباس (١).

وقال السدي: قالت - وهي تطلقُ من الحَبَل استحياء من الناس -: يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه والحزن بولادتي المولود من غير بعل (٢)، ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ نسي فترك طلبه كخرق الحيض التي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كل شيء نسي وترك فهو نسي.

وقال قتادة: ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ أي: شيئًا لا يُعرف ولا يُذكر ولا يُدرَى من أنا (٣).

وقال الربيع بن أنس: ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ هو: السقط (٤).

وقال ابن زيد: لم أكن شيئًا قط (٥).

وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة عند قوله: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١].

﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)﴾.

قرأ بعضهم: "مَنْ تحتها" بمعنى الذي تحتها، وقرأ الآخرون: ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ على أنه حرف جر (٦)، واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو؟ فقال العوفي وغيره عن ابن عباس: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها (٧)، وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وعمرو بن ميمون والسدي وقتادة: إنه الملك جبرائيل (٨)؛ أي: ناداها من أسفل الوادي.


(١) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (الصحيح، أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [مريم: ١٦] قبل ح ٣٤٣٦)، ووصله الطبري بسند ضعيف من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس، ومعناه صحيح.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بنحوه.
(٤) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٦) القراءتان متواترتان.
(٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به ويتقوى بما يليه.
(٨) قول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول عمرو بن ميمون أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق حصين عنه، وحصين هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي ثقة تغير حفظه في الآخر (التقريب ص ١٧٠، وينظر: تهذيب =