للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عامر مثواه، وكلَّم فيه رسول الله فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت من رسول الله واديًا في العرب، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١)﴾] (١) (٢).

ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار، فقال: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ أي: جديد إنزاله ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم، وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرؤونه محضًا لم يشب. رواه البخاري بنحوه (٣).

وقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي: قائلين فيما بينهم خفية: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعنون رسول الله يستبعدون كونه نبيًا لأنه بشر مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم؟ ولهذا قال: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أي: أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر، فقال تعالى مجيبًا لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب

﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السماوات والأرض.

وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لأقوالكم والعليم بأحوالكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد.

وقوله: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ﴾ هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحرًا، وتارة يجعلونه شعرًا، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفترى، كما قال: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)[الإسراء]، وقوله: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ يعنون: كناقة صالح وآيات موسى وعيسى، وقد قال الله: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩]، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦)﴾ أي: ما آتينا قرية من القرى التي بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها بل كذبوا، فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلا، بل ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس] هذا كله وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء،


(١) زيادة من نسخة دار الكتب حسب طبعة البابي الحلبي.
(٢) سنده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٣) صحيح البخاري، الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي : "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" (ح ٧٣٦٣).