للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: أنبأنا أبو بكر البرقاني، أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي أن حمدان بن سعيد، حدثهم عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: السجل: كاتب للنبي (١)، وهذا منكر جدًا من حديث نافع، عن ابن عمر لا يصح أصلًا، وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضًا، وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج - المزي فسح الله في عمره ونسأ في أجله، وختم له بصالح عمله -، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حده، ولله الحمد.

وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث، وردَّه أتمَّ رد، وقال: لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وكتّاب النبي معروفون، وليس فيهم أحد اسمه السجل، وصدق في ذلك، وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث، وأما من ذكره في أسماء الصحابة، فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره، والله أعلم، والصحيح عن ابن عباس: أن السجل هي الصحيفة، قاله علي بن أبي طلحة (٢)، والعوفي عنه (٣)، ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد (٤)، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب؛ أي على الكتاب بمعنى: المكتوب، كقوله: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)[الصافات] أي: على الجبين، وله نظائر في اللغة، والله أعلم.

وقوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ يعني: هذا كائن لا محالة يوم يعيد الله الخلائق خلقًا جديدًا كما بدأهم هو القادر على إعادتهم. وذلك واجب الوقوع لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل، وهو القادر على ذلك، ولهذا قال: ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وابن جعفر وعفان المعني قالوا: حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله بموعظةٍ: فقال: "إنكم محشورون إلى الله ﷿ حفاة عراةً غرلًا، كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا، إنا كنا فاعلين. . ." وذكر تمام الحديث (٥)، أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، ذكره البخاري عند هذه الآية في كتابه (٦).

وقد روى ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن عائشة، عن رسول الله نحو ذلك (٧)، وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ قال: يهلك كل شيء كما كان أول مرة (٨).


(١) تاريخ بغداد ٨/ ١٧٥.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق على به.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بسابقه.
(٤) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٣٥)، وسنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، التفسير باب ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ [المائدة: ١١٧] (ح ٤٦٢٥)، وصحيح مسلم، كتاب الجنة مصنفة نعيمها، باب فناء الدنيا (ح ٢٨٦٠).
(٧) أخرجه الطبري من طريق ليث، وليث فيه مقال، ومجاهد لم يسمع من عائشة، ويشهد لبعضه ما تقدم في الصحيحين.
(٨) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما تقدم في الصحيحين.