للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ هذا من باب ضمير الشأن، ولهذا قال مفسرًا له: ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ أي: فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها، والتي هي أشفق الناس عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له، ولهذا قال: ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾ ولم يقل: مرضع، وقال: ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ أي: عن رضيعها قبل فطامه.

وقوله: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ أي: قبل تمامه لشدة الهول ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ وقرئ سكرى (١) أي: من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم، وغابت أذهانهم، فمن رآهم حسب أنهم سكارى ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)﴾.

يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى، معرضًا عما أنزل الله على أنبيائه متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد من الإنس والجن، وهذا حال أهل البدع والضلال المعرضين عن الحق المتبعين للباطل يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رؤوس الضلالة الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: علم صحيح.

﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣)

﴿كُتِبَ عَلَيْهِ﴾ قال مجاهد: يعني: الشيطان (٢)؛ يعني: كتب عليه كتابة قدرية ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ أي: اتبعه وقلده ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ أي: يضله في الدنيا، ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، وهو الحار المؤلم المقلق المزعج.

وقد قال السدي، عن أبي مالك: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث (٣)، وكذلك قال ابن جريج.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن مسلم البصري، حدثنا عمر بن المحرم أبو قتادة، حدثنا [المعتمر] (٤)، حدثنا أبو كعب المكي قال: قال خبيث من خبثاء قريش أخبرنا عن ربكم من ذهب هو، أو من فضة هو، أو من نحاس هو؟ فقعقعت السماء قعقعة - والقعقعة في كلام العرب: الرعد - فإذا قحف رأسه ساقط بين يديه (٥).

وقال ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد: جاء يهودي فقال: يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو، من درٍّ أم من ياقوت؟ قال: فجاءت صاعقة فأخذته (٦).


(١) وهي قراءة متواترة.
(٢) أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم وسنده مرسل.
(٤) كذا في (ح) و (حم) وترجمته، وفي الأصل صُحف إلى: "العمر".
(٥) سنده مرسل.
(٦) سنده مرسل.