للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة (١).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ يعني: إبراهيم، وذلك قوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨] (٢)، قال ابن جرير: وهذا لا وجه له؛ لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين، وقد قال الله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ (٣)، قال مجاهد: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر (٤)، ﴿وَفِي هَذَا﴾ يعني: القرآن، وكذا قال غيره.

(قلت): وهذا هو الصواب؛ لأنه تعالى قال: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه، بأنه مِلَّة أبيهم إبراهيم الخليل، ثم ذكر منِتَّه تعالى على هذه الأمة بما نوّه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان، فقال: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا القرآن ﴿وَفِي هَذَا﴾.

وقد قال النسائي عند تفسير هذه الآية: أنبأنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن شعيب، أنبأنا معاوية بن سلام أن أخاه زيد بن سلام أخبره عن أبي سلام أنه أخبره، قال: أخبرني الحارث الأشعري، عن رسول الله : "من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم" قال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: "نعم، وإن صام وصلى" فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله"، وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)﴾ من سورة البقرة (٥)، ولهذا قال: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: إنما جعلناكم هكذا أمة وسطًا عدولًا خيارًا مشهودًا بعدالتكم عند جميع الأمم، لتكونوا يوم القيامة ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ لأن جميع الأمم معترفة يومئذٍ بسيادتها وفضلها على كل أمة سواها، فلهذا تقبل شهادتهم عليهم يوم القيامة في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم، والرسول يشهد على هذه الأمة أنه بلغها ذلك، وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]، وذكرنا حديث نوح وأمته بما أغنى عن إعادته (٦).

وقوله: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ أي: قابلوا هده النعمة العظيمة بالقيام بشكرها فأدوا حق الله عليكم في أداء ما افترض وطاعة ما أوجب وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقام الصلاة


(١) قول مجاهد أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف لم يصرح الطبري باسم شيخه، ويشهد له ما سبق.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن.
(٣) ذكره الطبري بنحوه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "القرآن"، وأخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد بلفظه، وابن جريج لم يسمع من مجاهد.
(٥) تقدم تخريجه في سورة البقرة آية ٢١.
(٦) تقدم تخريجه في الآية ١٤٣ من سورة البقرة.