﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢)﴾ يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرث ودم، ويأكلون من حملانها، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ويركبون ظهورها، ويحملونها الأحمال الثِّقال إلى البلاد النائية عنهم، كما قال تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧)﴾ [النحل]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣)﴾ [يس].
يخبر تعالى عن نوح ﵇ حين بعثه إلى قومه لينذرهم عذاب اللَّه وبأسه الشديد، وانتقامه ممن أشرك به وخالف أمره وكذب رسله ﴿فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ أي: ألا تخافون من اللَّه في إشراككم به؟ ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ﴾ وهم السادة والأكابر منهم: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ يعنون يترفع عليكم، ويتعاظم بدعوى النبوة، وهو بشر مثلكم، فكيف أوحي إليه دونكم؟ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ أي: لو أراد أن يبعث نبيًا لبعث ملكًا من عنده ولم يكن بشرًا ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾؛ أي ببعثة البشر ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، يعنون بهذا أسلافهم وأجدادهم في الدهور الماضية. وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي: مجنون فيما يزعمه من أن الله أرسله إليكم واختصه من بينكم بالوحي ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ أي: انتظروا به ريب المنون، واصبروا عليه مدة حتَّى تستريحوا منه.
يخبر تعالى عن نوح ﵇ أنه دعا ربه ليستنصره على قومه، كما قال تعالى مخبرًا عنه في الآية الأخرى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)﴾ [القمر] وقال ههنا: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ فعند ذلك أمره اللَّه تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين؛ أي ذكرًا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك، وأن يحمل فيها أهله ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ أي: من سبق عليه القول من اللَّه بالهلاك، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته، والله أعلم.
وقوله: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ أي: عند معاينة إنزال المطر العظيم لا تأخذنك