للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الزخرف] أي: بكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول اللَّه، فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولهم.

﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢)﴾ أي: أُممًا وخلائق ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣)﴾ يعني: بل يؤخذون على حسب ما قدر لهم تعالى في كتابه المحفوظ، وعلمه قبل كونهم أُمة بعد أُمة، وقرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل، وخلفًا بعد سلف، ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾.

قال ابن عَبَّاسٍ: يعني: يتبع بعضهم بعضًا، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل: ٣٦].

وقوله: ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ يعني: جمهورهم وأكثرهم، كقوله تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)[يس].

وقوله: ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ أي: أهلكناهم كقوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧].

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ أي: أخبارًا وأحاديث للناس، كقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ١٩].

﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (٤٦) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)﴾.

يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى وأخاه هارون إلى فرعون وملئه بالآيات والحجج الدامغات والبراهين القاطعات، وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما والانقياد لأمرهما لكونهما بشرين، كما أنكرت الأُمم الماضية بعثة الرسل من البشر، تشابهت قلوبهم فأهلك اللَّه فرعون وملأه، وأغرقهم في يوم واحد أجمعين، وأنزل على موسى الكتاب وهو التوراة، فيها أحكامه وأوامره ونواهيه، وذلك بعد أن قصم اللَّه فرعون والقبط وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وبعد أن أنزل اللَّه التوراة لم يهلك أمة بعامة؛ بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)[القصص].

﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم أنه جعلهما آية للناس؛ أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أُم، وخلق حواء من ذكر بلا أُنثى، وخلق عيسى من أُنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأُنثى. وقوله: