للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾ قال: عيسى ابن مريم وأمه حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها (١).

وقال عبد الرزاق: عن بشر بن رافع، عن أبي عبد اللَّه بن عمِّ أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقول في قول اللَّه تعالى: ﴿إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ قال: هي الرملة من فلسطين (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن يوسف [الفريابي] (٣)، حَدَّثَنَا رواد بن الجراح، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن عباد الخواص أبو عتبة، حَدَّثَنَا الشيباني، عن ابن وعلة، عن كريب السحولي، عن مرة البهزي قال: سمعت رسول اللَّه يقول لرجل: "إنك تموت بالربوة، فمات بالرملة" (٤)، وهذا حديث غريب جدًا، وأقرب الأقوال في ذلك ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ قال: المعين الماء الجاري، وهو النهر الذي قال اللَّه تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] (٥). وكذا قال الضحاك (٦) وقتادة ﴿إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ وهو بيت المقدس (٧)، فهذا -والله أعلم- هو الأظهر؛ لأنَّهُ المذكور في الآية الأخرى والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وهذا أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة ثم الآثار.

﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)﴾.

يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح، فقام الأنبياء بهذا أتم القيام، وجمعوا بين كل خير قولًا وعملًا ودلالةً ونصحًا، فجزاهم اللَّه عن العباد خيرًا. قال الحسن البصري في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ قال: أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه.

وقال سعيد بن جبير والضحاك: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ يعني: الحلال (٨).


(١) يشهد له ما سبق.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وأخرجه البخاري من طريق بشر بن رافع به (التاريخ الكبير ٩/ ٤٩)، ومن الطريق نفسه أخرجه الطبري وابن عساكر (تاريخ دمشق ١/ ٢١٢)، وسنده ضعيف لضعف بشر بن رافع (التقريب ص ١٢٣).
(٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "القرماني".
(٤) في رفعه نظر، ولهذا استغربه ابن كثير جدًا، وقد أخرجه الطبري من طريق عباد أبي عتبة الخواص به، وعباد هذا أظنه هو الذي ورد باسم عبد اللَّه بن عباد الخواص، فإن كان هو فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق يهم، وقد أفحش ابن حبان فقال: يستحق الترك (التقريب ص ٢٩٠).
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن العوفي به.
(٦) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٧) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٨) لم أجد تخريجه ومعناه صحيح.