للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الضحاك، عن ابن عباس: كل ما فيه (لو) فهو مما لا يكون أبدًا (١).

﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ أي: ابتليناهم بالمصائب والشدائد ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ أي: فما ردَّهم ذلك عمَّا كانوا فيه من الكفر والمخالفة؛ بل استمروا على غيهم وضلالهم ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا﴾ أي: ما خشعوا ﴿وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ أي: ما دعوا، كما قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)[الأنعام].

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا علي بن الحسين، حَدَّثَنَا محمد بن حمزة المروزي، حَدَّثَنَا علي بن الحسين، حَدَّثَنَا أبي، عن يزيد -يعني النحوي- عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله فقال: يا محمد أنشدك اللَّه والرحم، فقد أكلنا العلهز -يعني: الوبر والدم-، فأنزل اللَّه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)(٢)، وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبيه به (٣)، وأصله في الصحيحين: أن رسول الله دعا على قريش حين استعصوا، فقال: "اللَّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا علي بن الحسين، حَدَّثَنَا سلمة بن شبيب، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال: حُبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتًا من شعر يا أبا عبد اللَّه؟ فقال وهب: نحن في طرف من عذاب اللَّه، والله يقول: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)﴾ قال: وصام وهب ثلاثًا متواصلة، فقيل له: ما هذا الصوم يا أبا عبد اللَّه؟ قال: أحدث لنا فأحدثنا، يعني: أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة (٥).

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧)﴾ أي: حتَّى إذا جاءهم أمر اللَّه وجاءتهم الساعة بغتةً، فأخذهم من عذاب اللَّه ما لم يكونوا يحتسبون، فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم،

ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهي العقول والفهوم التي يدركون بها الأشياء ويعتبرون بما


(١) سنده ضعيف؛ لأن الضحاك لم يلق ابن عباس .
(٢) أخرجه ابن حبان من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه به (الإحسان ٣/ ٢٧٤ ح ٩٦٧)، ومن الطريق نفسه أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٩٤)، وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٦/ ٥١٠).
(٣) السنن الكبرى، التفسير (ح ١١٣٥٢).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة يوسف آية ٩٩.
(٥) سنده حسن.