للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زنيا فارجموهما البتة قال مروان: ألا كتبتها في المصحف؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك، قال: قلنا: فكيف؟ قال جاء رجل إلى النَّبِيّ قال: فذكر كذا وكذا وذكر الرجم، فقال: يا رسول اكتب لي آية الرجم، قال: "لا أستطيع الآن" هذا أو نحو ذلك (١).

وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثنى، عن غُندر، عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت، عن زيد بن ثابت به (٢)، وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولًا به، والله أعلم.

وقد أمر رسول الله برجم هذه المرأة، وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير، ورجم رسول اللَّه ماعزًا والغامدية، وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله أنه جلدهم قبل الرجم، وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية، والرجم للسُّنة.

كما رُويَ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه لما أتى بشراحة، وكانت قد زنت وهي محصنة، فجلدها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، فقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله (٣). وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة ومسلم من حديث قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللَّه الرقاشي، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللَّه : "خذوا عني خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مِائَة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مِائَة والرجم" (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ أي: في حكم اللَّه؛ أي لا ترحموهما [وترأفوا بهما] (٥) في شرع اللَّه، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد، فلا يجوز ذلك.

قال مجاهد: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ قال: إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل (٦)، وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح.


(١) سنده ضعيف لإبهام شيخ محمد بن سيرين.
(٢) السنن الكبرى (ح ٧١٤٥).
(٣) أخرجه البخاري بلفظ: "حين رجم المرأة يوم الجمعة"، وقال: رجمتها بسُّنة رسول الله . دون ذكر الجلد (الصحيح، الحدود، باب رجم المحصن ح ٦٨١٢)، وأخرجه البستي من طريق عمرو بن علي، وسنده ضعيف؛ لأن عمرو لم يسمع من على (المراسيل لابن أبي حاتم ص ١٢٢).
(٤) المسند ٥/ ٣١٧، وصحيح مسلم، الحدود، باب حد الزنا (ح ١٦٩٠)، وسنن أبي داود، الحدود، باب الرجم (ح ٤٤١٥)، وسنن الترمذي، الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب (ح ١٤٣٤)، والسنن الكبرى للنسائي، الرجم (ح ٧١٤٢)، وسنن ابن ماجه، الحدود، باب حد الزنا (ح ٢٥٥٠).
(٥) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "وترثوا لهما".
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.