للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿نَذِيرًا﴾ أي: الذي أرسلني هو مالك السماوات والأرض الذي يقول للشيء كن فيكون وهو الذي يحيي ويميت، وهكذا قال ههنا: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ ونزه نفسه عن الولد، وعن الشريك.

ثم أخبر أنه ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ أي: كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت [قهره] (١) وتدبيره وتسخيره وتقديره.

﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)﴾.

يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله الخالق لكل شيء، المالك لأزمّة الأمور، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومع هذا عبدوا معه من الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة، بل هم مخلوقون لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف يملكون لعابديهم؟ ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ أي: ليس لهم من ذلك شيء بل ذلك كله مرجعه إلى الله ﷿ الذي هو يحيي ويميت، وهو الذي يعيد الخلائق يوم القيامة أولهم وآخرهم ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] كقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] وقوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)﴾ … ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)[الصافات] ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣)[يس] فهو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، ولا تنبغي العبادة إلا له لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي لا ولد ولا والد له ولا عديل ولا نديد، ولا وزير ولا نظير، بل هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ﴾ أي: كذب ﴿افْتَرَاهُ﴾ يعنون: النبي : ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين، فقال الله تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ أي: فقد افتروا هم قولًا باطلًا، وهم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون

﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾ يعنون: كتب الأوائل؛ أي استنسخها ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ﴾ أي: تُقرأ عليه ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أي: في أول النهار وآخره.

وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته منهم يعلم كل أحد بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر وبالضرورة أن محمدًا رسول الله لم يكن يعاني شيئًا من الكتابة لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "قدره".