للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾؛ أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام، وأناسيّ محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)[الشورى]، وقال تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠)[الروم].

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾؛ أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها وبتجاوزها إلى الأرض الأخرى، فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقًا، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة.

قال ابن عباس وابن مسعود : ليس عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٥٠)(١)؛ أي: ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه، فيقلع عما هو فيه.

وقال عمر مولى غُفرة: كان جبريل في موضع الجنائز (٢)، فقال له النبي : "يا جبريل إني أُحب أن أعلم أمر السحاب" قال: فقال له جبريل: يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله، فقال: تأتينا صكاك (٣) مختمة، اسقِ بلاد كذا وكذا، وكذا وكذا قطرة. رواه ابن أبي حاتم وهو حديث مرسل (٤).

وقوله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ قال عكرمة: يعني الذين يقولون مُطرنا بنوء (٥) كذا وكذا (٦)، وهذا الذي قاله عكرمة كما صحَّ في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله أنه قال لأصحابه يومًا على أثر سماء أصابتهم من الليل: "أتدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي، كافر بالكواكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي، مؤمن بالكواكب" (٧).


(١) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عنه، وأخرجه الحاكم من الطريق نفسه وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٠٣)، وقول ابن مسعود أخرجه الطبري البيهقي من طريقين وصححه البيهقي (السنن الكبرى ٣/ ٣٦٣).
(٢) موضع الجنائز: هو مكان معروف في المسجد النبوي الشريف تجاه المنبر توضع فيه الجنائز للصلاة عليها (ينظر: فتح الباري ٣/ ١٩٩).
(٣) صكاك: جمع صك وهو الكتاب (النهاية ٣/ ٤٣).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف لضعف عمر مولى عُفرة كما في التقريب، ولإرساله.
(٥) النوء: منزلة من ثمان وعشرين منزلة ينزل القمر كل ليلة منزلة منها، وسمي نوءًا لأنه إذا سقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءًا أي: نهض وطلع (ينظر: النهاية ٥/ ١٢١، ١٢٢).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق النضر بن عربي عن عكرمة.
(٧) أخرجه مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني (الصحيح، الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء ح ٧١).