للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥)﴾؛ أي: كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)[يوسف]، وقال تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)[يس]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ الآية [المؤمنون: ٤٤]، ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)﴾ أي: فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)[الشعراء]، ثم نبَّه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه، الذين اجترؤوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه، وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.

قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم (١).

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾؛ أي: دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه، وخالفوا أمره، وارتكبوا نهيه. وقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الذي عزَّ كل شيء وقهره وغلبه ﴿الرَّحِيمُ﴾ أي: بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره (٢).

وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب إليه وأناب (٣).

﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢)﴾.

يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران حين ناداه من جانب الطور الأيمن، وكلمه وناجاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى:


(١) سنده ضعيف لإبهام شيخ الثوري.
(٢) قول أبي العالية أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عنه، وقول ابن إسحاق أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عنه، وقول قتادة والربيع بن أنس ذكرهما ابن أبي حاتم بحذف السند، وسند الربيع يدخل في سند أبي العالية المتقدم.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير.