للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: تسعة عشر ألفًا، وقيل: بضعة وثلاثين ألفًا، وقيل: ثمانين ألفًا، وقيل: غير ذلك، والله أعلم بعدتهم.

قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعًا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم، وهم: سابور، وعاذور، وحطحط، ويصفى، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (٤٠)﴾ ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم

﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾؛ أي: إلى مجلس فرعون، وقد ضربوا له وطاقًا، وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته، فقام السحرة بين يديّ فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا؛ أي: هذا الذي جمعتنا من أجله، فقالوا ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١)

﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)﴾؛ أي: وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي؛ فعادوا إلى مقام المناظرة ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٥، ٦٦] وقد اختصر هذا ههنا، فقال لهم موسى: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣)

﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (٤٤)﴾ وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئًا هذا بثواب فلان، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [١١٦]. وقال في سورة طه: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)﴾ وقال ههنا: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥)﴾؛ أي: تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئًا.

قال الله تعالى: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)[الأعراف] فكان هذا أمرًا عظيمًا جدًا، وبرهانًا قاطعًا للعذر، وحجَّة دامغة، وذلك أن الذي استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا، غلبوا وخضعوا، وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، سجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلبًا لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحًا جريئًا، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهدَّدهم ويتوعَّدهم ويقول: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٧١] وقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٣].

[﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)﴾].

تهدَّدهم فلم يقطع ذلك فيهم، وتوعَّدهم فما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا، وذلك إنه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر، وظهر لهم الحقُّ بعلمهم ما جهل قومهم من أن هذا الذي جاء به موسى لا يصدر عن بشر إلا أن يكون الله قد أيده به، وجعله له حجة ودلالة على صدق ما جاء به من ربه، ولهذا لما قال لهم فرعون: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾؟ أي: كان ينبغي أن تستأذنوني فيما