للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا الشكل والمنوال. ولكن الله سبحانه كان قد أفهم سليمان ما يتخاطب به الطيور في الهواء، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها، ولهذا قال تعالى: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أي: مما يحتاج إليه الملك ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الظاهر البين لله علينا.

قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن [عمرو] (١) بن أبي عمرو، عن المطلب، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "كان داود فيه غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع، قال: فخرج ذات يوم وأغلقت الأبواب، فأقبلت امرأة تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة؟ والله لنفتضحنَّ بداود، فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ فقال: الذي لا يهاب الملوك ولا يمتنع من الحجاب، فقال داود: أنت إذًا والله ملك الموت مرحبًا بأمر الله، فتزمل (٢) داود مكانه حتى قبضت نفسه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي داود، فظللت عليه الطير حتى أظلمت عليه الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحًا جناحًا" قال أبو هريرة: يا رسول الله كيف فعلت الطير؟ فقبض رسول الله يده وغلبت عليه يومئذ المضرحيَّة (٣).

قال أبو الفرج بن الجوزي: المصرحية هنَّ: النسور الحُمُر.

وقوله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)﴾؛ أي: وجمع لسلمان جنوده من الجن والإنس والطير؛ يعني: ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها. وقوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾؛ أي: يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له.

قال مجاهد: جعل على كل صنف وزعة يردون أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما يفعل الملوك اليوم (٤).

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾؛ أي: حتى إذا مرّ سليمان بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ وأورد ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن أن اسم هذه النملة حرس، وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيصان، وأنها كانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب (٥)؛ أي: خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم،


(١) كذا في (ح) و (حم) ومسند أحمد، وفي الأصل صُحفت إلى: "عمره".
(٢) تزملَّ فلان: التفَّ بثوبه.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده بنحوه (المسند ١٥/ ٢٥٤ ح ٩٤٣٢)، وضعفه محققوه لأن المطلب لم يسمع من أبي هريرة.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد، وهو لم يسمع من مجاهد، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) سنده ضعيف جدًا لأن إسحاق بن بشر متروك (ينظر لسان الميزان ١/ ٣٥٤).