للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى مرافقهن، والغلمان من مرافقهم إلى كفوفهم ولا منافاة بين ذلك كله، والله أعلم.

وذكر بعضهم أنها أرسلت إليه بقدح ليملأه ماء رواء لا من السماء ولا من الأرض، فأجرى الخيل حتى عرقت ثم ملأه من ذلك، وبخرزة وسلك ليجعله فيها ففعل ذلك والله أعلم أكان ذلك أم لا، وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات، والظاهر أن سليمان ، لم ينظر إلى ما جاؤوا به بالكلية، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه. وقال منكرًا عليهم ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾؟ أي: أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟ ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾؛ أي: الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾؛ أي: أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف، وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف.

قال الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها ذلك، قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا (١).

وفي هذا جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد

﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: بهديتهم ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾؛ أي: لا طاقة لهم بقتالهم ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً﴾؛ أي: ولنخرجنهم من بلدتهم أذلة ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾؛ أي: مهانون مدحورون. فلما رجعت إليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان سمعت وأطاعت هي وقومها، وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة، معظِّمة لسليمان ناوية متابعته في الإسلام، ولما تحقق سليمان قدومهم عليه، وووفودهم إليه فرح بذلك وسرَّه.

﴿قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)﴾.

قال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت: قد واللهِ عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكابرته شيئًا، وبعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك، ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه. وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض، ثم أقفلت عليه الأبواب ثم قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله، ولا يرينه أحد حتى آتيك ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قَيْلِ من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال: ﴿قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨)(٢).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الأعمش به، وسنده حسن. والخبر من الإسرائيليات.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن إسحاق به، والخبر من الإسرائيليات.