للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ قال مجاهد: فوكزه؛ أي: طعنه بجُمع كفه (١).

وقال قتادة: وكزه بعصا كانت معه، فقضي عليه (٢)؛ أي: كان فيها حتفه فمات ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ أي: بما جعلت لي من الجاه والعزِّ والنعمة ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا﴾ أي: معينًا ﴿لِلْمُجْرِمِينَ﴾ أي الكافرين بك، المخالفين لأمرك.

﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن موسى لما قتل ذلك القبطي أنه أصبح ﴿فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا﴾ أي: من معرَّة ما فعل ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ أي: يتلفت ويتوقع ما يكون من هذا الأمر فمر في بعض الطرق، فإذا ذلك الذي استنصره بالأمس على ذلك القبطي يقاتل آخر، فلما مر عليه موسى استصرخه على الآخر، فقال له موسى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ أي: ظاهر الغواية كثير الشر، ثم عزم موسى على البطش بذلك القبطي، فاعتقد الإسرائلي لخوره وضعفه وذلته أن موسى إنما يريد قصده لما سمعه يقول ذلك، فقال يدفع عن نفسه: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾؟ وذلك لأنه لم يعلم به إلا هو وموسى ، فلما سمعها ذلك القبطي لقفها من فمه، ثم ذهب بها إلى باب فرعون وألقاها عنده، فعلم فرعون بذلك، فاشتدَّ حنقه، وعزم على قتل موسى فطلبوه فبعثوا وراءه ليحضروه لذلك.

﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠)﴾.

قال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ﴾ وصفه بالرجولية، لأنه خالف الطريق، فسلك طريقًا أقرب من طريق الذين بعثوا وراءه، فسبق إلى موسى، فقال له: يا موسى: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ أي: يتشاورون فيك ﴿لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾ أي: من البلد ﴿إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾.

﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)﴾.

لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته في أمره، خرج من مصر وحده، ولم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.