للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ أي: وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله، كما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾.

قال قتادة: وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)[هود] (١).

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)﴾.

يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، من إنزال التوراة عليه بعد ما أهلك فرعون وملأه.

وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ يعني: أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين، كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (١٠)[الحاقة]، وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا محمد وعبد الوهاب قالا: حدثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: ما أهلك الله قومًا بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين مسخوا قردة بعد موسى، ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ الآية (٢)، ورواه ابن أبي حاتم من حديث عوف بن أبي [جميلة] (٣) الأعرابي بنحوه (٤)، وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده عن عمرو بن علي الفلاس، عن يحيى القطان، عن عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد موقوفًا (٥)، ثم رواه عن نصر بن علي، عن عبد الأعلى، عن عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رفعه إلى النبي قال: "ما أهلك الله قومًا بعذاب من السماء ولا من الأرض إلا قبل موسى" ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ الآية (٦).

وقوله: ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾ أي: من العمى والغي، وهدى إلى الحق ورحمة؛ أي: إرشادا إلى العمل الصالح ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي: لعل الناس يتذكرون به ويهتدون بسببه.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٣) كذا في ابن أبي حاتم وهو الصواب كما في ترجمته، وفي الأصل صحف إلى: "حميد"، وفي (حم): حميلة، وفي (مح): حبيبة.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق هوذة بن خليفة عن عوف به، وسنده حسن، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٠٨).
(٥) أخرجه البزار كما في كشف الأستار ح ٢٢٤٧ وذكر الهيثمي: إن رجاله رجال لصحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٨٨).
(٦) المصدر السابق ح ٢٢٤٨، والصحيح وقفه.