للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ (١)، [وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك لما أعطي] (٢).

﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة، وتجمل باهر، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أُعطي قالوا: ﴿يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي: ذو حظ وافر من الدنيا، فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أي: جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون. كما في الحديث الصحيح "يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرءوا إن شئتم ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)(٣) [السجدة] ".

وقوله: ﴿وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ قال السدي: ولا يلقى الجنة إلا الصابرون (٤)، كأنه جعل ذلك من تمام الكلام الذين أوتوا العلم.

قال ابن جرير: ولا يلقى هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا الراغبون في الدار الآخرة (٥). وكأنه جعل ذلك مقطوعًا من كلام أولئك، وجعله من كلام الله ﷿، وإخباره بذلك.

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢)﴾.

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته وفخره على قومه وبغيه عليهم عقَّب ذلك بأنه خسف به وبداره الأض، كما ثبت في الصحيح عند البخاري من حديث الزهري عن سالم أن أباه حدثه أن رسول الله قال: "بينما رجل يجرُّ إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". ثم رواه من حديث جرير بن زيد، عن سالم، عن أبي هريرة، عن النبي نحوه (٦).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أصبغ عن عبد الرحمن.
(٢) زيادة من (ح) و (حم).
(٣) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ، (صحيح البخاري، التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] ح ٨٤٩٨، وصحيح مسلم، الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة ح ١٨٨).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عن السدي.
(٥) ذكره الطبري بنحوه.
(٦) صحيح البخاري، اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء (ح ٥٧٩٠).