لما استنصر لوط ﵇ بالله ﷿ عليهم، بعث الله لنصرته ملائكة فمرُّوا على إبراهيم ﵇ في هيئة أضياف، فجاءهم بما ينبغي للضيف، فلما رآهم أنه لا هِمَّة لهم إلى الطعام، نكرهم وأوجس منهم خيفة، فشرعوا يؤانسونه ويبشرونه بوجود ولد صالح من امرأته سارة، وكانت حاضرة، فتعجبت من ذلك كما تقدم بيانه في سورة هود والحجر، فلما جاءت إبراهيم البشرى وأخبروه بأنهم أُرسلوا لهلاك قوم لوط، أخذ يدافع لعلهم يُنْظَرون لعلَّ الله أن يهديهم، ولما قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٣٢)﴾ أي: من الهالكين، لأنها كانت تمالئهُم على كفرهم وبغيهم ودبرهم، ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حِسان، فلما رآهم كذلك ﴿سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أي: اغتمَّ بأمرهم إن هو أضافهم خاف عليهم من قومه، وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم، ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة ﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤)﴾ وذلك أن جبريل ﵇ اقتلع قراهم من قرار الأرض، ثم رفعها إلى عنان السماء، ثم قلبها عليهم، وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد، وجعل الله مكانها بحيرة خبيثة منتنة، وجعلهم عبرة إلى يوم التناد، وهم من أشد الناس عذابًا يوم المعاد. ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً﴾ أي: واضحة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)﴾ [الصافات].
يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب ﵇، أنه أنذر قومه أهل مدين، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخافوا بأس الله ونقمته وسطوته يوم القيامة، فقال: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾.
قال ابن جرير: قال بعضهم معناه واخشوا اليوم الآخر (١)، وهذا كقوله تعالى: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: ٢١].
ثم نهاهم عن العبث في الأرض بالفساد وهو السعي فيها والبغي على أهلها، وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان ويقطعون الطريق على الناس، هذا مع كفرهم بالله ورسوله، فأهلكهم الله