للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفارسي وغيرهم (١)، واختاره ابن جرير.

﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)﴾.

قال قتادة وغير واحد: هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف (٢).

وقال آخرون: بل هي باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين (٣)، فيجادل بالتي هي أحسن ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)[النحل]، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)[طه] وهذا القول اختاره ابن جرير، وحكاه عن ابن زيد (٤).

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ أي: حادوا عن وجه الحق، وعموا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحيئنذٍ ينتقل من الجدال إلى الجلاد ويقاتلون بما يمنعهم ويردعهم، قال الله ﷿: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)[الحديد]، قال جابر: أمرنا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف.

قال مجاهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ يعني: أهل الحرب، ومن امتنع منهم من أداء الجزية (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ يعني: إذا أخبروا بما لا نعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقًا، ولا تصديقه فلعله أن يكون باطلًا، ولكن نؤمن به إيمانًا مجملًا معلقًا على شرط وهو أن يكون منزلًا لا مبدلًا ولا مؤولًا.

قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله : "لا تصدقوا أهل


(١) قول عبد الله بن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن من طريق شقيق عنه (المصنف ١٣/ ٢٩٨) وقول أبي الدرداء أخرجه الطبراني بسندين يقوي أحدهما الآخر، وقول سلمان الفارسي أخرجه الطبري بسند ضعيف لإبهام الراوي عن سلمان .
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أصبغ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن الرحمن بن زيد بن أسلم. .
(٤) رجحه الطبري وقول ابن زيد تقدم تخريجه في الرواية السابقة.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق خُصَيف عن مجاهد، وخُصيف سيئ الحفظ.