للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل (١) له، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو﴾ أي: تقرأ ﴿مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ﴾ لتأكيد النفي ﴿وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾، تأكيد أيضًا، وخرج مخرج الغالب كقوله تعالى: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨].

وقوله تعالى: ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ أي: لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس، فيقول: إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء مع أنهم قالوا: ذلك مع علمهم بأنه أُمي لا يحسن الكتابة ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾ قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)[الفرقان]، وقال ههنا: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أي: هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفظه العلماء يسره الله عليهم حفظًا وتلاوة وتفسيرًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)[القمر].

وقال رسول الله : "ما من نبي إلا وقد أعطي ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا" (٢).

وفي حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم يقول الله تعالى: "إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانًا" (٣) أي: لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل، لأنه قد جاء من الحديث الآخر: "لو كان القرآن في إهاب ما أحرقته النار" (٤)، ولأنه محفوظ في الصدور ميسر على الألسنة، مهيمن على القلوب، معجز لفظًا ومعنى، ولهذا جاء في الكتب المتقدمة في صفة هذا الأمة أناجيلهم في صدورهم.

واختار ابن جرير أن المعنى في قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابًا، ولا تخطه بيمينك آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، ونقله عن قتادة وابن جريج (٥)، وحكي الأول، عن الحسن البصري فقط (٦).

قلت: وهو الذي رواه العوفي، عن ابن عباس (٧)، وقاله الضحاك (٨) وهو الأظهر والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ أي: ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون؛ أي: المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ


(١) عزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي شيبة وعمر بن شبة وضعف سنده لأنه مرسل. (ينظر فتح الباري ٧/ ٥٤).
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الرعد آية ٣١.
(٣) أخرجه مسلم (الصحيح، الجنة، باب الصفات التي يُعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ح ٢٨٦٥).
(٤) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ١٥١) وسنده حسن.
(٥) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود وهو ضعيف.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن الحسن.
(٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.