للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أويس، أخبرني ابن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)﴾ وكانت قريش تحب ظهور فارس، لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب، ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية، خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ قال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلاك نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسمِّ بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه؟ قال: فسمّوا بينهم ست سنين، قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس: فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال: لأن الله قال في بضع سنين، قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير. هكذا ساقه الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد (١).

وقد روي نحو هذا مرسلًا عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم (٢)، ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن عكرمة قال: كان في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجلًا من بنيك، فأشيري علي أيهم أستعمل؟! فقالت: هذا فلان وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر، وهذا فرخان وهو أنفذ من سنان، وهذا شهريراز وهو أحلم من كذا، تعني أولادها الثلاثة، فاستعمل أيهم شئت، قال: فإني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهريراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، قال أبو بكر بن عبد الله: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا، قال: أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت والزيتون الذي قطع، فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته. قال عطاء الخراساني: حدثني يحيى بن يعمر أن قيصر بعث رجلًا يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهريراز فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس، ففرحت بذلك كفار قريش، وكرهه المسلمون، قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النبي وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أُميون، وقد ظهر إخوانكم من أهل فارس على إخواننا من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم،


(١) أخرجه الترمذي بسنده ومتنه وتعليقه (السنن، التفسير باب ومن سورة الروم ح ٣١٩٤)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٥٥٢).
(٢) معظم هذه المراسيل أخرجها الطبري وهي تشد بعضها بعضًا وتتقوى بما سبق.