للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم الجَحْدَري قال: رأيت عاصمًا الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد متّ؟ قال: بلى، قلت: فأين أنت؟ قال: أنا والله، في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني، فنتلقى أخباركم. قال: قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات! قد بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال: نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس، قال: قلت: فكيف ذلك دون الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته (١).

قال: وحدثنا محمد بن الحسين، ثنا بكر بن محمد، ثنا حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي أهل الجبان (٢)، فنقف على القبور فنسلم عليهم، وندعو لهم ثم ننصرف، فقلت ذات يوم: لو صيرت هذا اليوم يوم الإثنين؟ قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبلها ويومًا بعدها. قال: ثنا محمد، ثنا عبد العزيز بن أبان قال: ثنا سفيان الثوري قال: بلغني عن الضحاك أنه قال: من زار قبرًا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة.

حدثنا خالد بن خداش، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي التيَّاح يقول: كان مطرَّف يغدو، فإذا كان يوم الجمعة أدلج. قال: وسمعت أبا التياح يقول: بلغنا أنه كان ينزل بغوطة، فأقبل ليلة حتى إذا كان عند المقابر يقوم وهو على فرسه، فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالسًا على قبره (٣)، فقالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة ويصلون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، ونعلم ما يقول فيه الطير. قلت: وما يقولون؟ قال: يقولون: سلام عليكم.

حدثني محمد بن الحسن، ثنا يحيى بن أبي بكر، ثنا الفضل بن الموفق ابن خال سفيان بن عيينة قال: لما مات أبي جزعت عليه جزعًا شديدًا، فكنت آتي قبره في كل يوم، ثم قصرت عن ذلك ما شاء الله، ثم إني أتيته يومًا، فبينا أنا جالس عند القبر غلبتني عيناي فنمت، فرأيت كأن قبر أبي قد انفرج، وكأنه قاعد في قبره متوشح أكفانه، عليه سحنة الموتى، قال: فكأني بكيت لما رأيته، قال: يا بني، ما أبطأ بك عني؟ قلت: وإنك أعلم بمجيئي؟ قال: ما جئت مرة إلا علمتها، وقد كنت تأتيني فأسر بك ويسر من حولي بدعائك، قال: فكنت آتيه بعد ذلك كثيرًا.

حدثني محمد، حدثنا يحيى بن بَسطام، ثنا عثمان بن سُويد الطُّفاوي قال: وكانت أمه من العابدات، وكان يقال لها: راهبة، قال: لما احتضرت رفعت رأسها إلى السماء فقالت: يا ذخري وذخيرتي من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي، لا تخذلني عند الموت ولا توحشني. قال: فماتت. فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها وأستغفر لها ولأهل القبور، فرأيتها ذات يوم في منامي، فقلت لها: يا أُمي، كيف أنت؟ قالت: أي بني، إن للموت لكربة شديدة، وإني بحمد الله لفي برزخ محمود يفرش فيه الريحان، ونتوسد السندس والإستبرق إلى يوم النشور،


(١) في سنده رجل مبهم من آل عاصم الجحدري.
(٢) أي: الصحراء التي فيها القبور.
(٣) أخرجه الثوري بلاغًا عن الضحاك.